الساحل السوري.. انتهاكات متصاعدة وصمت مريب..محمد الحيدري

الساحل السوري.. انتهاكات متصاعدة وصمت مريب
كأنما لم تكفِ الأرض دماءً، ولم تشبع المقابر من الأجساد، حتى أطلّ القتل بوجهه الجديد، متجددًا بأسماء مختلفة، لكنه يحمل ذات القسوة، ذات الجبروت. السلطة الجديدة، التي جاءت في ثوب التغيير، لم تتردد في أن تغمس يديها في الدم، حتى بات الساحل السوري مسرحًا لتصفيات منظمة، تُنفَّذ ببرودة قاتل محترف، لا يعنيه إن كانت الرصاصة تخترق صدرًا مواليًا أو ظهرًا معارضًا.
في ريف اللاذقية، حيث لا يزال صدى شعارات الولاء يتردد في الأزقة، سقط 52 شابًا علويًا برصاص القوات الأمنية، ليس في معركة، بل في عمليات إعدام ميداني، بذرائع واهية واتهامات تُلقى بلا محاكمة. لم تكن الأسماء غريبة عن القتلة، فهم يعرفون الضحايا واحدًا واحدًا، يعرفون أنهم أبناء الساحل الذي طالما قدّم أرواحه قربانًا لحكامه. ومع ذلك، لم يرتجف لهم جفن، ولم تردعهم رابطة الدم.
الوجع ليس فقط في الرصاص الذي يخترق الأجساد، بل في الصمت المريب، في خيانة السلطة لمن قدّموا لها الولاء يومًا، في يدٍ تمتد لتصفع من رفعها عاليًا. المجلس الإسلامي العلوي الأعلى، بعد أن ضاقت به السبل، دعا إلى اعتصامات سلمية، محاولةً لوقف هذا النزيف، بينما تسري همسات في الخفاء عن مشايخ يطرقون باب تركيا طلبًا للحماية، وكأنما بات الموت قدرًا محتومًا سواء بالبقاء أو بالفرار.
وفي زوايا أخرى من الساحل، لا يزال الأكراد يرقبون المشهد بحذر، يدركون أن هذا الجنون لن يقف عند حدود طائفة أو فئة، وأن شهوة الدم حين تستيقظ، لا تعرف التمييز.
أي طريق هذا الذي تسلكه السلطة الجديدة، وأي مستقبل يعد به من يبدأ حكمه بالرصاص والقبضة الحديدية؟ الساحل السوري لم يكن يومًا إلا وقودًا لمعارك الآخرين، لكن ما يجري اليوم أبعد من مجرد صراع على النفوذ، إنه كسرٌ لحاضنةٍ استُنزفت لعقود، وانقلاب على من اعتقدوا أنهم جزء من المعادلة، قبل أن تدهسهم عجلاتها بلا تردد.
إلى أين تمضي سوريا في ظل هذه التصفيات المنظمة؟ وهل باتت البلاد ساحةً مفتوحةً لمجازر بدم بارد، تُرتكب تحت شعارات وطنية جوفاء؟


