الشهادة في فكر الإمام الخميني قدس سره. …. رسول حسين

الشهادة في فكر الإمام الخميني قدس سره.
رسول حسين
يقول اللّه تعالى في محكم آياته، ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ سورة التوبة الآية 20.
إن الشهادة في سبيل اللّه تعالى هي إحدى الطرق للوصول إلى رضا اللّه والقرب منه، ومعنى الشهادة أن يقتل الإنسان في سبيل هدف سامٍ ونبيل في طاعة اللّه عز وجل. وعند الحديث عن الشهادة في فكر الإمام الخميني الراحل قدس سره وخطه المبارك، فلا بد من الإشارة إلى العديد من العناوين الأساسية التي أشار إليها رضوان اللّه تعالى عليه، ومنها أجر الشهيد، وكيف يصل الإنسان لمقام الشهادة في سبيل اللّه تعالى، لا بد من الإشارة إلى مجتمع الشهداء الأحياء، وسنتناول هذه المفردات بالتفصيل.
إن الإمام الخميني قدس سره، اعتبر الشهادة حالة سامية تحمل في طياتها معاني عميقة تتجاوز الفناء الجسدي. فهو يرى أن الشهادة ليست مجرد الموت في ساحة المعركة، بل هي تجسيد للإيمان والتضحية من أجل تحقيق القيم الإنسانية والدينية. الشهداء يحققون ارتباطاً مباشراً مع الله من خلال استشهادهم، مما يمنحهم مقاماً خاصاً في العالم الآخر. وهي وسيلة للارتباط العميق بالله سبحانه وتعالى. يرى الإمام أن استشهاد الفرد، سواءً في المعارك أو في سبيل الدفاع عن القيم والمبادئ، يعبّر عن إخلاصه لله. الشهداء هم الذين أظهروا قوة إيمانهم وتفانيهم حتى لحظة الفداء، لذا فإنهم يحققون مقاماً رفيعاً ينقلهم لمرتبة خاصة عند الله. إن الشهادة في فكر الإمام الخميني ليست مجرد حدث أو تضحية؛ إنها ثقافة وفلسفة حياة. يعتقد الإمام أن الشهادة يجب أن تُغرس في نفوس الناس كقيمة سامية ودافع للعمل من أجل العدالة والحرية. هذه الثقافة تلهم الأفراد للمشاركة الفعالة في الدفاع عن الحق والدفاع عن الهوية الوطنية والدينية. كما يركز الإمام الخميني على الدور المحوري للشهداء في إحداث التغيير الاجتماعي والسياسي. يعتبر الشهداء مثالاً يُحتذى به، حيث يمثلون صوت الحق في زمن الظلم. من خلال تضحياتهم، يسهم الشهداء في إلهام المجتمعات للنضال من أجل حقوقهم وتحررهم، مما يؤدي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. يعتبر الإمام الخميني الشهادة وسيلة فعالة لمواجهة الظلم والاستبداد. فالأفراد الذين يضحون في سبيل قضاياهم العادلة يصبحون رمزاً للمقاومة أمام قوى الاحتلال والطغيان. وبذلك، تتحول الشهادة إلى فعل شجاع يعكس التحدي والصمود، ويحفز الأجيال على القيام بدورها في المقاومة. بالإضافة إلى تكريم الشهداء، يُعتبر فكر الإمام الخميني أنّ الشهادة تتضمن مجموعة من القيم الأساسية مثل الاستشعار بالواجب، الإيثار، والإخلاص. هذه القيم تعزز من المحبة والوحدة بين أفراد المجتمع، وتنبع من شعور بالدفاع عن الكرامة والحقوق ضد قوى الظلم. و يعتبر الإمام الخميني الشهادة بمثابة أداة لتطهير النفس البشرية، والدعوة للتضحية من أجل المبادئ. فالشهداء يُشجعون الناس على مواجهة التحديات بالرغم من المخاطر، مما يؤكد على أهمية الصبر والعزيمة في رحلة الحياة. يرى الإمام الخميني أن إرث الشهداء هو جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية والإسلامية. الشهداء يُخلدون في الذاكرة التاريخية للأمة، ويُعتبرون مصدر إلهام للأجيال المقبلة في السعي لتحقيق العدالة والمقاومة. يمكن القول إن مفهوم الشهادة في فكر الإمام الخميني يتجاوز حدود الفناء الجسدي ليصل إلى عمق الروح الإنسانية والتضحية من أجل القيم السامية. يُنظر إلى الشهادة كوسيلة لتحقيق حقيقية للارتباط بالله، ودعوة للفخر والمقاومة, ووسيلة للتغيير نحو الأفضل.
و للغوص في بحر الشهادة بفكر الإمام الخميني قدس سره، يجب إيضاح قضية مهمة فإن البعض قد يتصور أن القتل في ساحة المعركة هو هزيمة وتراجع على المستوى العام وهي خسارة وانتهاء على المستوى الفردي، ومن هذه الخلفية ينطلق الفهم الخاطئ للشهادة على أنها حالة عزاء وحزن و ومن هنا نطرح هذا السؤال هل القتل في ساحة الحرب نصر أم هزيمة؟!!. حتى نعرف الجواب الصحيح لهذا السؤال علينا أن نقف في البداية عند المعنى الحقيقي للنصر. إن النصر والهزيمة لا يأتيان من فراغ، فهما مرتبطان بهدف والقدرة على تحقيق هذا الهدف، وبحسب هذا الهدف يكون النصر أو الهزيمة، فالحصول على أمر ما أو تحقيق هدف ما قد يكون نصراً لشخص معين، وهو بعينه هزيمة لشخصً آخر، فمن خلال معرفة الأهداف التي رسمها الإنسان لنفسه يتم تحديد انتصار أو هزيمته. ولكن هذا كله لا يعني أن النصر الحقيقي مرتبط بما يرسمه الإنسان لنفسه من أهداف، سواء كانت شريفة أو وضيعة، سواءً كانت أهدافه صحيحة أم سقيمة مزيّفة. إن النصر الحقيقي لا يكون إلا من خلال تحقيق الأهداف الصحيحة والحقيقة، وأما الأهداف الزائفة فلا تولد إلا نصراً زائفاً. إن الهدف الحقيقي الذي رسمه الله سبحانه وتعالى للإنسان يتلخص بقوله تعالى، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات 56.
فالهدف إذاً هو الوصول إلى مقام العبادة والقرب من الله سبحانه وتعالى. وفي هذا المجال يقول الإمام الخميني قدس سره، “إذا انتصرنا في هذه المرحلة من السير العرفاني، فإن موتنا نصر كما أن حياتنا نصر أيضاً. جدوا لكي تنتصروا في ميدان المبارزة بين الله والشيطان، ميدان الجهاد بين النفس الإنسانية والروح، فإذا انتصرتم في هذه المرحلة فلا تخشوا الهزائم لأنها ليست هزائم”، “أنتم غلبتم أهواءكم، أنتم في خلف الجبهات وإخوانكم في الجبهات، جاهدتم أنفسكم وعلمتم أن الحياة أبدية وأن هذه الحياة الحيوانية المادية زائلة، فأنتم إذن منتصرون وما دامت هذه عقيدتكم فأنتم الغالبون حتى ولو انهزمتم صورياً ومادياً” صحيفة الإمام الخميني قدس سره ج 20.
وبحسب قول الإمام إن هذا هو الهدف الحقيقي، وكل ما عداه هو مزيف، وعند البحث سنجد إن الشهادة هي الطريق الأمثل للوصول لهذا الهدف، وسنفهم إن الإمام الخميني قدس سره يعتبر أن وضع الشهادة في ميزان الأمور المادية هو إهانة للشهادة، فهي أعلى و أشمخ من أن تقارن بمثل هذه الأمور، يقول قدس سره، “يجب أن يعلم عملاء أمريكا أن الشهادة في سبيل الله لا يمكن أن تقاس بالغلبة أو الهزيمة في ميادين القتال، مقام الشهادة نهاية العبودية والسير والسلوك في العالم المعنوي. لا تحقروا مقام الشهادة لتقابلوها بفتح خرمشهر أو سائر المدن، إنها أوهام القوميين الباطلة” مكتبة المعارف الإسلامية كتاب الشهادة ص 16.
فما دامت الشهادة هي النصر وهي الطريق الّذي يُحقّق الهدف الإلهيّ لوجود الإنسان على الأرض، فليس غريباً على الشهيد أن تُطوى لأجله كلّ العوائق وتُزال عن طريقه في الدنيا والبرزخ والآخرة. فالشهادة هي السعادة الحقيقيّة للإنسان في كلّ حياة ينتقل إليها. يقول الإمام الخميني قدس سره، “كم هم سعداء أولئك الّذين يقضون عمراً طويلاً في خدمة الإسلام والمسلمين وينالون في نهايّة عمرهم الفيض العظيم الّذي يتمنّاه كلّ عشّاق لقاء المحبوب، كم هم سعداء وعظماء أولئك الّذين اهتمّوا طيلة حياتهم بتهذيب النفس والجهاد الأكبر وفي نهايّة أعمارهم التحقوا بركب الشهداء معزّزين مرفوعي الرأس، كم هم سعداء وفائزون أولئك الّذين لم يقعوا في شباك الوساوس النفسيّة وحبائل الشيطان طيلة أيّام حياتهم – في بأسائها وضرّائها – وخرقوا آخر الحجب بينهم وبين المحبوب، وبلِحاهم المخضّبة بالدماء التحقوا بركب المجاهدين في سبيل الله تعالى” صحيفة نور، جزء 17، ص 57.
وكلام الإمام الخميني قدس سره هذا يعكس الخطّ الإسلاميّ والفهم القرآنيّ الصحيح الّذي أشارت إليه الآيّة الكريمة في وصف الشهداء، ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ آل عمران 69.
فالإنسان المؤمن والعارف بالحقائق، يطمع بمقام الشهادة الرفيع، الّذي يرفعه إلى الله تعالى و يوصله إلى السعادة الأبديّة والخالدة