المقالات

تحالفات الضرورة أم مشروع توازن عالمي؟  قراءة هادئة في التلاقي الإيراني-الصيني الروسي …. محمد علي الحيدري

تحالفات الضرورة أم مشروع توازن عالمي؟

قراءة هادئة في التلاقي الإيراني-الصيني الروسي

 

محمد علي الحيدري

واشنطن

 

في عالم يعيد تشكيل ذاته على أنقاض القطبية الأحادية، لا يمكن اعتبار اللقاء الثلاثي الذي جمع ممثلي إيران وروسيا والصين في فيينا، إلى جانب إعلان طهران وبكين الارتقاء بعلاقاتهما إلى شراكة استراتيجية، مجرد حراك دبلوماسي روتيني. نحن أمام تحرك مركّب تتجاوز دلالاته الإطار الثنائي أو الظرفي، وتلامس عمق التحولات الجارية في بنية النظام الدولي، بما فيه من اختلالات وتساؤلات حول من يصوغ قواعده، ومن يمتلك حق الفيتو فيه سياسيًا واقتصاديًا.

 

الحديث الإيراني–الصيني عن “شراكة استراتيجية” لا يعكس فقط نية تعزيز التبادل التجاري أو التفاهمات الأمنية، بل يؤشر إلى إدراك مشترك بأن العلاقات الدولية، كما تُمارَس حاليًا، لا تُدار بمنطق الندية أو التوازن، بل بمركزية ضاغطة ترفض الهامش وتحاصر الخيارات. ومن هذا المنظور، تبدو طهران وبكين في موقع من يسعى إلى بناء معادلة بديلة، وإن كانت تدريجية، لموازنة اختلالات عميقة تكرّست منذ نهاية الحرب الباردة.

 

بالنسبة للصين، التي تمسك بخيوط كثيرة في الاقتصاد العالمي، فإن علاقتها مع إيران تمثّل تقاطع مصالح أكثر من كونها تحالفًا أيديولوجيًا. موقع إيران الجغرافي، ووزنها الإقليمي، وقدرتها على الصمود في وجه الضغوط الغربية، يجعلها شريكًا حيويًا ضمن مشروع “الحزام والطريق” من جهة، وفي معادلة أمن الطاقة من جهة أخرى. أما طهران، فترى في بكين سندًا محوريًا يوازن العقوبات الغربية، ويمنحها مساحة للمناورة في الملفات الكبرى، وعلى رأسها الملف النووي.

 

في موازاة هذا التقارب الثنائي، تأتي فيينا كمحطة رمزية أكثر منها جغرافية، لتشهد على اجتماع ثلاثي بين إيران وروسيا والصين، لا ينعقد فقط لتنسيق المواقف في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بل ليؤكد أن هناك جبهة دبلوماسية بدأت تتشكل وتُعبّر عن رؤية مختلفة لمفهوم “الشرعية الدولية”. صحيح أن المصالح ليست متطابقة دومًا بين هذه الدول الثلاث، لكن من الصحيح أيضًا أن ما يجمعها، في هذه المرحلة، هو ما يكفي لإنتاج كتلة سياسية فاعلة تسعى إلى تقييد النزعة الأحادية، لا إلى مواجهتها المباشرة بالضرورة.

 

من المشروع أن يُطرح هنا السؤال الجوهري: هل هذا التلاقي هو تحالف دائم يؤسس لنظام عالمي جديد، أم تقاطع مصالح ظرفي تفرضه ضرورات المرحلة؟ وهل تملك هذه الدول الثلاث القدرة على إنتاج نموذج بديل مقنع، لا يقوم فقط على الرفض، بل على طرح إطار عالمي متماسك، يقوم على المساواة والسيادة واحترام التعددية الحقيقية؟

 

الجواب لا يزال معلقًا. ما هو واضح حتى الآن أن رقعة الشطرنج الدولية لم تعد تُدار بلونين فقط، وأن طهران وبكين وموسكو باتت، كلٌ من موقعه، تمثّل مركز قرار ناشئ في نظام دولي جديد لم يتبلور بعد… لكنه بالتأكيد لم يعد كما كان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار