
لنسعَ لِعمارة القلوب أيضاً (فكر السيد القائد الخامنئي دام ظله)
رسول حسين
في خضمّ التقدم التكنولوجي الهائل والتطورات المتسارعة التي يشهدها عالمنا اليوم، يبرز تساؤل جوهري: هل يكفي أن نحقق الإنجازات المادية وحدها، أم أن هناك جانبًا أكثر عمقًا يحتاج إلى رعاية واهتمام؟ في هذا السياق، يؤكد القائد الإمام السيد علي الخامنئي على أهمية “عمارة القلوب” باعتبارها أساسًا لبناء عالمٍ أفضل وأكثر إنسانية.
يقول السيد الخامنئي: “إننا يجب أن نعمّر قلوبنا، فبالقلب العامر يمكن خلق عالم جيد. إذا لم يكن القلب عامراً، وإذا كان القلب كدراً أسوداً مذنباً فقد يستطيع التقدم بالتقنية إلى الأمام ويصل بالتقانة إلى الوضع الذي هي عليه اليوم وأكثر، لكنَّ العالم لن يكون عالماً حلواً طيباً.” الإمام الخامنئي ظله خطبة 30/4/2018
القلب العامر لبناء عالم أجمل
ترتكز هذه الرؤية على حقيقة أن البناء المادي وحده لا يكفي لجعل الحياة طيبة وذات مغزى. فمهما بلغ الإنسان من التقدم العلمي والتقني، فإن عالمًا يخلو من القيم الروحية والأخلاقية سيظل عالمًا يعاني من الأزمات والمعاناة. إن القلب العامر بالإيمان والمحبة والنقاء هو الذي يمنح الإنجازات المادية قيمتها الحقيقية، ويحول التقدم إلى وسيلة لخدمة الإنسان، لا أداة للسيطرة أو التدمير.
ويرى السيد الخامنئي أن عمارة القلوب ليست أمرًا فرديًا فحسب، بل هي مسؤولية جماعية يجب أن تتعاون المجتمعات على تحقيقها. فحينما يسعى الإنسان لتزكية قلبه وتطهير روحه، ينعكس ذلك على سلوكياته وتعاملاته مع الآخرين، مما يُسهم في بناء مجتمع أكثر عدلاً ورحمة.
الفرق بين التقدم التقني وعمارة القلوب
يشير القائد إلى مفارقة واضحة: يمكن للإنسان أن يحقق قفزات نوعية في مجالات التكنولوجيا والعلوم، لكنه إذا كان قلبه قاسيًا أو خاليًا من الإيمان، فإن هذا التقدم قد يتحول إلى أداة للدمار بدل البناء. ولعلّ التاريخ الحديث شاهد على هذه الحقيقة، حيث تسببت الحروب والصراعات في دمار كبير، رغم التقدم العلمي الهائل الذي يملكه البشر. الإمام الخامنئي ظله خطبة 30/4/2018
إن القلب الأسود – كما يصفه السيد الخامنئي – يمكن أن يكون سببًا في الانحراف والفساد حتى في أكثر المجتمعات تطورًا. لذا، فإن دعوته إلى عمارة القلوب هي دعوة إلى تحقيق التوازن بين التقدم المادي والسمو الروحي، بحيث يصبح الإنسان قادرًا على توظيف العلم في خدمة الخير والعدالة والرحمة.
كيف نعمر قلوبنا؟
يضع السيد الخامنئي أمامنا خريطة طريق لعمارة القلوب، تتمثل في:
1. الارتباط بالله تعالى: إذ يؤكد أن الذكر والدعاء والتضرّع سبيلٌ لتصفية القلوب من الأدران.
2. العمل الصالح: فالأفعال التي تنطلق من نوايا طيبة تعمّق الإيمان وتطهّر النفس.
3. التواضع وخدمة الآخرين: إذ يشدّد على أهمية العمل من أجل الآخرين وتعزيز روح العطاء.
4. الوعي الأخلاقي: وذلك عبر مراقبة النفس والحرص على تهذيبها بشكل دائم. الإمام الخامنئي ظله خطبة 30/4/2018
دعوة لإحياء الروح الإنسانية
في عالمٍ باتت فيه الماديات تطغى على الروحانيات، تأتي دعوة الإمام الخامنئي لتذكّرنا بأن عمارة القلوب ليست ترفًا، بل ضرورة لتحقيق التوازن في حياتنا. فالتقدم الحقيقي ليس مجرد أرقام وتقنيات، بل هو ذلك الذي يبدأ من القلب العامر بالقيم، ويصبّ في خدمة الإنسان ورفاهه الروحي والمادي.
لنسع إذًا لعمارة القلوب، لأن القلوب العامرة تصنع عالمًا أكثر جمالًا وإنسانية.
حين تموت القلوب ماذا يبقى؟
في عالم اليوم، تسير البشرية بسرعة مذهلة نحو المستقبل، لكنها في خضم هذا السباق المحموم قد تنسى إنسانيتها. فماذا ينفع الإنسان إذا امتلك أرقى التقنيات لكنه فقد الرحمة؟ كيف يمكن لعالمٍ يعجّ بالأجهزة الذكية أن يكون أكثر دفئًا إذا أصبحت القلوب باردة؟
حين تنطفئ أنوار القلوب، يظلم العالم مهما أضاءته التكنولوجيا. قد نبني ناطحات السحاب، لكننا إذا لم نبنِ قلوبًا تعلو بالإيمان والصدق، فإن هذه المباني ستظل هياكل خاوية. قد نُحلّق في الفضاء ونكتشف كواكب بعيدة، لكن ماذا لو فقدنا القدرة على لمس قلوب من حولنا؟
إن دعوة السيد الخامنئي لعمارة القلوب ليست مجرد خطابٍ مثالي، بل نداءٌ أخير لإنقاذ الإنسان من الانهيار الداخلي. فالتقدم المادي قد يمنحنا الراحة، لكنه لن يمنحنا السعادة الحقيقية ما لم يرافقه قلبٌ عامرٌ بالإيمان والنقاء.
وفي نهاية المطاف، سيأتي يومٌ تنهار فيه الحضارات التي قامت على الفراغ الروحي، ويبقى فقط أولئك الذين عمروا قلوبهم و أضاؤوا طريق الإنسانية برحمةٍ وعدالة. فهل نسعى نحن اليوم لعمارة قلوبنا قبل أن يفوت الأوان؟