الدولية وعربية

ثلاث حجج مهمة في نقد صفقة بنك القاهرة  …. إبراهيم نوار 

ثلاث حجج مهمة في نقد صفقة بنك القاهرة

 

إبراهيم نوار

ثار جدل كبير له ما يبرره بشأن إجراءات الصفقة المحتملة لبيع بنك “القاهرة” سادس أكبر بنك في مصر إلى “بنك الإمارات دبي الوطني” الذي يقع مركزه في إمارة دبي. أكثر ما يدور من الجدل يتعلق بقيمة الصفقة، وانعدام الشفافية في إجراءات التقييم، وغموض قرار استبعاد مستثمرين كويتيين من المنافسة على بيع البنك المصري. ومن الطبيعي أن يكون الشعب، الذي تمثله الحكومة، وهو المالك الأصيل لرأسمال بنك القاهرة، على بينة من عملية البيع، الأمر الذي يتطلب توفر شروط العدالة في التقييم، والشفافية في الإجراءات. كذلك فإنه من حق المتنافسين على الشراء أن يكونوا أيضا على بينة من تفاصيل عملية البيع، وتوفر قواعد المنافسة العادلة في قرار ترسية الصفقة على المستثمر الإماراتي. سلامة النظام المصرفي المصري تتطلب توفر شروط المنافسة العادلة والشفافية في الإجراءات وضمان تحقيق قيمة مضافة عالية في مثل هذه الصفقات.

 

ونحن نعرف أن بنك القاهرة مملوك لأحدى الشركات الاستثمارية التابعة لبنك مصر وهو بنك مملوك للدولة، يحتل المركز الثاني في السوق المصرفي من حيث قيمة الأصول بنسبة 16.25% بعد البنك الأهلي الذي يستحوذ وحده على 34.9% من السوق. هذا يعني أن أكبر بنكين تملكهما الدولة في مصر يستحوذان على 51.15% من السوق المصرفية. هذا يعني أن الدولة عمليا تحتكر النشاط المصرفي، وأن نسبة الأصول المصرفية التي تملكها بنوك القطاع الخاص المصري والأجنبي تقل عن 50%. هذا الوضع في الوقت الحالي يمثل أحد الضمانات الرئيسية لسلامة النظام المصرفي المصرى. ولا يعني ذلك أنه من الضروري أن يستمر هذا الاحتكار، لكنه يعني أن قواعد الانضباط والمسؤولية لدى البنوك المملوكة للدولة في مصر، رغم كل التجاوزات التي يمكن أن تثار، ستظل تمثل صمام أمان للنظام المصرفي المحلي، حتى ينضج أداء القطاع الخاص بما فيه الكفاية. ونشير هنا إلى أن الازمة المالية العالمية عام 2008 كان مصدرها تجاوزات في أداء البنوك في الولايات المتحدة أكثر دول العالم تقدما في نظمها المصرفية. وعندما انهار النظام المصرفي كانت الدولة هي الملاذ الأخير لقيادة طريق الخروج من الأزمة.

 

هل يعني ذلك أن الجدل الحالي بشأن صفقة بنك القاهرة لا مبرر له؟ الإجابة هي لا قاطعة، فالجدل له أكثر من مبرر، لأن الصفقة تنقصها الشفافية، وتنطوي على تناقضات بشأن القيمة السوقية للبنك موضوع الصفقة. وهناك جوانب أخرى تتعلق بطبيعة المشتري المحتمل الذي حصل على الموافقة بالبدء في إجراءات الفحص النافي للجهالة، وهي الإجراءات التي تعني أنه الأقرب إلى الفوز بالصفقة. ومن المهم حتى تكون الصفقة شفافة إتمام إجراءات تقييم مستقلة للبنك المستهدف بالاستحواذ، وتحديد الشروط الفنية للصفقة، وقيمة السعر العادل لأسهم بنك القاهرة. إلى هنا فإننا نتحدث عن صفقة عادية يجب أن تتوفر في إجراءاتها شروط الشفافية والعدالة والقيمة المضافة. وهي غير متوفرة حتى الآن.

 

لكني أعتقد أن الجدل بشأن صفقة بنك القاهرة يجب ألا يتجاهل حقيقة أن دولة المستثمر صاحب العرض تملك استثمارات أخرى في مصر. وإذا كان بيع بنك القاهرة يقوم على فلسفة تعزيز دور القطاع الخاص، فإن بيع البنك لدولة أجنبية، لا يفي بالغرض من خصخصة البنك. فالمقصود من الخصخصة هنا هو تعزيز دور القطاع الخاص المحلي أولا، وليس دور دولة أجنبية مهما كانت النوايا أو الافتراضات. إن بنك الإمارات دبي الوطني مملوك لإحدى العائلات الحاكمة في دولة الإمارات، وهو أمر يحمل علامة استفهام كبيرة، ليس لشك في نوايا العائلة، ولكن لأن امتلاكها للبنك يتعارض مع الغرض من الخصخصة. وينتفي تحقيق هذا الغرض في حال نقل ملكية البنك من الدولة الوطنية إلى الدولة الأجنبية. هذا ينطبق على كل عمليات الخصخصة التي يبيع بمقتضاها الصندوق السيادي المصري أملاك الشعب المصري إلى الصندوق السيادي الإماراتي أو السعودي أو القطري وغيرهم. المقصود بالخصخصة هو تقليل دور الدولة في الاقتصاد، ومن باب أولى تقليل دور الدولة الأجنبية.

 

الحجة الثانية التي يجب أن يتضمنها الجدل تتعلق بمصير إيرادات الصفقة، من سيحصل عليها، وكيف سيتم تخصيصها في هيكل الموارد المالية. هل ستذهب إيرادات البيع إلى صندوق الخصخصة؟ أم هي ستذهب إلى بنك مصر، أم أنها ستذهب إلى وزارة المالية بشكل مباشر أو غير مباشر لتمويل سداد الديون أو لتمويل مشروعات خارج الموازنة العامة للدولة؟ إن عدم استخدام إيرادات الصفقة في توسيع طاقات النظام المصرفي المصري وقنوات تمويل التنمية للقطاع الخاص الحقيقي، خصوصا في قطاعات الأعمال الصغيرة والمتوسطة، يعني أن عملية بيع بنك القاهرة ستكون مجرد نقل ملكية من مالك إلى آخر، مع بقاء حال الاقتصاد على ماهو عليه.

 

الحجة الثالثة تتعلق بتوفير شروط المنافسة في السوق المصرفية في مصر، وذلك بتأكيد التزام مشتري بنك القاهرة بأولويات تمويل القطاع الخاص وأنشطته في سوق مفتوحة خالية من الاحتكار، خصوصا وأنه في حال فوز مستثمر إماراتي بالصفقة من شأنه تمكين الإمارات، بملكية 5 بنوك في مصر، لتصبح أكبر مستثمر أجنبي في القطاع المصرفي المصري، وأكبر مستثمر من القطاع الخاص قبل البنك التجاري الدولي، وثاني أكبر قوة في القطاع المصرفي بعد الدولة. البنوك الإماراتية العاملة في مصر بعد صفقة بنك القاهرة ستملك حصة تبلغ 6.7% تقريبا من الأصول المصرفية في مصر، بعد الدولة مباشرة، وقبل البنك التجاري الدولي أكبر مستثمر من القطاع الخاص المصري في قطاع المصارف. ولهذا وجب الحذر.

#IbrahimNawar

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار