المقالات

معسكر زليكان: اختبار السيادة العراقية في ميزان الصراع الإقليمي … محمد علي الحيدري

معسكر زليكان: اختبار السيادة العراقية في ميزان الصراع الإقليمي

 

محمد علي الحيدري

 

يمثّل معسكر زليكان، الواقع في منطقة بعشيقة شمال شرق الموصل، نموذجًا صارخًا لمعضلة السيادة العراقية وسط التداخلات الإقليمية وتعدّد مصادر القرار الأمني. فالمعسكر، الذي أنشأته تركيا عام 2015 بحجة دعم جهود محلية ضد تنظيم داعش، تحوّل إلى موطئ قدم دائم لقوة أجنبية على الأرض العراقية، من دون غطاء قانوني أو تفويض من الحكومة الاتحادية.

 

نشأ المعسكر باتفاقات جزئية مع أطراف سياسية في إقليم كردستان العراق، لا سيما الحزب الديمقراطي الكردستاني، دون موافقة رسمية من بغداد. ومع مرور الوقت، أصبح هذا الموقع بؤرة خلافية تثير حساسية داخلية وإقليمية متزايدة، خاصة في ظل تعقيد الوضع الأمني في نينوى، وتصاعد الحديث عن إعادة رسم التوازنات في “المثلث السني”.

 

يتكوّن المعسكر من مقاتلين محليين، بعضهم من عناصر “الحشد الوطني” الذي أسّسه محافظ تينوى الاسبق أثيل النجيفي ، إلى جانب وجود مباشر لمستشارين عسكريين أتراك. هذا التشكيل لا يخضع لأي هيكلية رسمية عراقية، ويعمل خارج سلطة الدولة، ما يجعله حالة استثنائية في بلد يسعى لتعزيز سيادته واستقلال قراره الأمني.

 

وعلى النقيض، تعمل مؤسسات أمنية عراقية عديدة ضمن إطار الدولة، من بينها الحشد الشعبي، الذي أُدرج رسميًا في المنظومة الأمنية العراقية بموجب قانون صادر عن البرلمان. وتُناقَش حاليًا خطوات لتنظيم عمله إداريًا وماليًا، بما يضمن خضوعه الكامل للقانون وسلطة الدولة.

 

تكمن خطورة معسكر زليكان في احتمال تحوّله إلى “إدلب عراقية مصغّرة” تتقاطع فيها أجندات إقليمية وتُدار بعيدًا عن القرار الوطني. ومع غياب موقف واضح من الدولة لإنهاء هذا الوجود أو دمجه ضمن أطر رسمية، يبقى خطر تكريسه كأمر واقع ماثلًا، بل متصاعدًا.

 

في الآونة الأخيرة، عاد المعسكر إلى دائرة الضوء بعد تصعيد ميداني طاله، ما أعاد التساؤلات حول مستقبله وجدوى الصمت الرسمي تجاهه. ورغم بعض التصريحات، لا يزال الموقف السياسي منقسمًا: بعض القوى تعتبره ورقة ضغط أو توازن، فيما تتعامل أخرى معه بصمت أو حذر. والنتيجة: غياب قرار سيادي حاسم.

 

لم يعد ممكنًا التعاطي مع هذا الملف بمنطق المجاملة أو التأجيل. فاستمرار وجود قوة أجنبية مسلّحة على الأرض العراقية، خارج أي تفويض أو اتفاق معلن، يضعف هيبة الدولة، ويؤسس لواقع موازٍ يتنافى مع مبدأ السيادة ووحدة القرار الأمني.

 

السيادة لا تُقاس بعدد المؤسسات، بل بقدرة الدولة على فرض القانون وضبط السلاح داخل أطرها الشرعية. ومعسكر زليكان، في هذا السياق، يمثّل اختبارًا صريحًا: إما أن تُغلق صفحته ضمن سياق دستوري واضح، أو أن يبقى شاهدًا على هشاشة القرار الوطني في مواجهة الصراع الإقليمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار