المقالات

الإمام الصادق (عليه السلام).. عبقرية الصبر والهجوم السياسي في زمن الغموض القاتل.. رسول حسين

الإمام الصادق (عليه السلام).. عبقرية الصبر والهجوم السياسي في زمن الغموض القاتل

 

في زحمة التحولات الكبرى التي عصفت بالعالم الإسلامي في القرن الثاني الهجري، كان الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يقف كجبل راسخ، يخطط بصمت، ويتحدى بعقل، ويؤسس لثورة فكرية وسياسية هادئة تحت سطح الأحداث. لقد كشف الإمام الخامنئي دام ظله، في دراساته وتحليلاته لسيرة الإمام الصادق عليه السلام، أن المواجهة السياسية التي قادها الصادق لم تكن مواجهة صاخبة بالسيف، لكنها كانت أعنف وأدق من كل معركة دامية؛ كانت معركة بناء الوعي وكشف الزيف وإعداد الأرضية لانتصارات الإسلام المحمدي الأصيل.

 

مرحلة الاحتضار الأموي والانبعاث العباسي

يُشير السيد الخامنئي إلى أن المرحلة التي عاشها الإمام الصادق عليه السلام (83-148هـ) كانت مرحلة انتقالية دقيقة بين سقوط الأمويين وصعود العباسيين. يقول سماحته: “كان الإمام الصادق يدرك أنّ تبدّل السلطان لا يعني تبدّل الظلم؛ إنّما تتغير الوجوه ويبقى الطغيان” (دروس من سيرة الأئمة، السيد علي الخامنئي). لذلك، لم يغتر الإمام عليه السلام بالتحركات العباسية التي ترفع شعار “الرضا من آل محمد”، بل عرف منذ البداية أن الحكم الجديد سيواصل طغيان من سبقه.

 

التخطيط الطويل النفس

في تحليل سماحة السيد الخامنئي، تظهر عبقرية الإمام الصادق (ع) في تبنيه إستراتيجية النفس الطويل. لقد رفض الصدام العسكري المكشوف، لكنه زرع بذور الانقلاب المعنوي والفكري. سماحته يؤكد أن الإمام: “كان يعدّ الأمة عبر التعليم العقائدي العميق، ويكشف زيف الحكومات عبر نشر الفكر الأصيل، دون أن يضع الشيعة في مواقف إبادة جماعية” (مصباح الهداية، السيد علي الخامنئي). إنها مواجهة صامتة لكنها أشد فتكًا من سيف المعارك.

 

السياسة الخفية في ظل جامعة فكرية

أسّس الإمام الصادق عليه السلام أعظم مدرسة علمية في تاريخ الإسلام، ضمت أكثر من أربعة آلاف تلميذ من مختلف الطبقات. يرى الإمام الخامنئي أن هذه الجامعة لم تكن مجرد مؤسسة فقهية، بل كانت “مؤسسة سياسية عميقة”، إذ عبرها نشر الإمام مفاهيم الإمامة والعدالة والرفض الضمني للسلطات غير الشرعية. يقول السيد دام ظله: “كان الإمام الصادق عليه السلام يعلم أن بناء الإنسان الواعي، الذي يعرف الحق والباطل، هو أخطر سلاح في وجه الطغيان” (دروس في معرفة الإمام، السيد علي الخامنئي).

 

مواجهة بالثقة بالنفس

في زمن الخوف، تحدّى الإمام الصادق عليه السلام السلطة بثقته الراسخة بالله و بالرسالة. سماحة القائد الخامنئي يوضح هذه النقطة بقوله: “لم يكن الإمام الصادق يتحدث بلغة الخائفين، بل بلغة الواثقين المنتصرين، حتى وإن كانت الموازين المادية كلها ضده” (دروس في سيرة المعصومين، السيد علي الخامنئي). بهذه الثقة كان يبني مجتمعًا شيعيًا صلبًا لا تهزه العواصف السياسية المتعاقبة.

 

مقاطع من الحكم الذهبية

من كلماته عليه السلام التي كانت شفرات سياسية موجهة لعصره وللأجيال: “من أقر بالظلم فقد ظلم”، “ليس منا من دان بولاية ظالم”، هذه الكلمات، كما يحللها السيد الخامنئي، كانت شعارات تعبئة، تُنطق في قوالب دينية لكنها تحمل ديناميتا سياسيا مدمرا للطغاة.

 

الإرث السياسي الخالد

ختم الإمام الصادق عليه السلام حياته وهو يخط لنا طريق النضال الرسالي الطويل. ولذلك، كما يؤكد سماحة السيد الخامنئي: “لو لا تخطيط الإمام الصادق عليه السلام، لما بقيت مدرسة أهل البيت عطاءً متجددًا وثورة مستمرة حتى ظهور الحجة بن الحسن عليه السلام” (دروس الثورة الإسلامية المستلهمة من الأئمة، السيد علي الخامنئي). لقد فهم الإمام الصادق أن المعركة الحقيقة تحتاج إلى إعداد قلوب، قبل إعداد السيوف، ولهذا كان انتصاره هادئًا، شامخًا، خالدا عبر العصور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار