بين ناقة صالح ودم الإمام “سيناريو الاغتيال الكبير هل دخل القائد الخامنئي دائرة الاستهداف الإسرائيلي؟” .. رسول حسين أبو السبح

بين ناقة صالح ودم الإمام “سيناريو الاغتيال الكبير هل دخل القائد الخامنئي دائرة الاستهداف الإسرائيلي؟”
رسول حسين أبو السبح
طهران، بيروت، بغداد – على وقع طبول الحرب التي تتسارع دقاتها بين كيان الاحتلال الإسرائيلي ومحور المقاومة، تبرز تهديدات غير مسبوقة أطلقها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو مؤخرًا، يتحدث فيها ـ وبصراحة غير معهودة ـ عن “حل حاسم” يطال رأس الهرم الإيراني، في إشارة واضحة إلى سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (دام ظله).
التصريحات هذه، التي مرّت على بعض النخب الإعلامية مرور الكرام، تحمل في طيّاتها مؤشرات على انتقال الكيان المحتل من مرحلة استهداف البنى التحتية والمواقع العسكرية، إلى مرحلة استهداف “الرمز القائد”، وفق عقيدة اغتيالية أثبتت فاعليتها، بحسب رؤية العدو، في ملفات سابقة مثل اغتيال الحاج قاسم سليماني.
فما الذي تغيّر في ميزان الحسابات؟ ولماذا يُطرح اسم السيد القائد ـ علنًا ـ على طاولة الاغتيالات؟ وكيف يُفهم هذا التحول ضمن السياق العقائدي والسياسي للعدو؟
ليست هذه المرة الأولى التي يُفكر فيها أعداء الجمهورية الإسلامية باستخدام الاغتيال كأداة استراتيجية. فعلى لسان وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، ورد في مذكراته أن قرار اغتيال الحاج قاسم سليماني لم يكن سهلًا، بل كان موضع نقاش داخلي حاد.
بومبيو كتب بوضوح أن الإدارة الأميركية كانت ترى في الحرس الثوري مؤسسة قابلة للاستمرار بعد غياب قادتها. لكنّه أفلح في إقناع الرئيس السابق دونالد ترامب أن شخصية سليماني استثنائية لدرجة تجعل غيابه ضربة لا يمكن تعويضها بسرعة، وهو ما تحقق فعلاً.
المنطق ذاته، كما يبدو، هو ما يُعاد استخدامه الآن ضد سماحة القائد الخامنئي، ولكن بدرجة أرفع. فهو لا يقود فرقة عسكرية، بل أمةً بكاملها؛ لا يتحرك من غرفة عمليات، بل من قلب مشروع فكري ـ ديني يمتد من طهران إلى غزة، ومن صنعاء إلى بغداد، ومن الضاحية إلى القدس.
العدو الإسرائيلي لطالما اعتبر أن تصفية القيادات هي اختصار للزمن السياسي. تجربة اغتيال الشيخ أحمد ياسين، والرنتيسي، وعباس الموسوي، والمهندس، وسليماني، ليست محطات طارئة بل حلقات متصلة ضمن سلسلة طويلة من ضرب “العقل القيادي” للأطراف التي يراها تهديدًا وجوديًا.
لكن ما يميّز المرحلة الحالية هو الانتقال من استهداف الشخصيات الميدانية إلى الحديث ـ الصريح ـ عن الرمز الأعلى، قائد الثورة الإسلامية وولي أمر المسلمين، باعتباره “الخطر الأكبر على بقاء الكيان الصهيوني”، كما جاء في توصيفات عديدة لأجهزة الأمن الصهيونية خلال العامين الماضيين.
وفي هذا السياق، فإن العدو ـ وفقًا لمراقبين ـ لا يرى أن اغتيال القائد مجرد تصفية جسدية، بل عملية قطع للشريان المركزي الذي يمدّ الجبهة العقائدية والفكرية للمقاومة بالحياة والمعنى، في ظل ما يسمونه “تصلب مراكز القرار في طهران” ضد أي تسوية مع كيانهم.
هنا تُطرح الإشكالية الأكبر، هل يجرؤ الكيان على المضي في هذا المسار؟، الخبراء الأمنيون المنصفون يعترفون أن اغتيال شخصية بهذا الوزن هو قرار وجودي لا يمكن عزله عن تداعيات مدمّرة. فالسيد الخامنئي ليس فقط قائدًا لدولة، بل مرجعية دينية لتيارات واسعة في العالم الإسلامي، وصاحب نفوذ روحي وعقلي في عمق الشارع المقاوم، بما يفوق بكثير الحدود الجغرافية للجمهورية الإسلامية.
أي استهداف له ـ لا قدّر الله ـ لن يُفسَّر إلا باعتباره إعلان حرب شاملة، ستُفرغ كل الكوابح من معادلات الرد. المعادلة واضحة، استهداف القائد يعني سقوط كل الخطوط الحمراء. وقد قالها قادة محور المقاومة مرارًا، لن تكون هناك “تل أبيب” ولا “حيفا” بعد مثل هذه الجريمة.
اللافت هنا أن تنفيذ مثل هذه العملية قد لا يتم انطلاقًا من الأراضي المحتلة فقط، بل عبر “تسهيلات إقليمية”، أو تغاضٍ سياسي من دول في الجوار، تملك أجواءً مفتوحة أو علاقات استخباراتية مزدوجة. وهنا أعني غرب و وسط آسيا تحديداً، وهذا ما يفتح الباب أمام مسؤولية مباشرة تقع على دول المنطقة، خاصة تلك التي أعلنت “تحالفات أمنية” مع الكيان الإسرائيلي، أو تلك التي تسمح بمرور طائرات العدو بشكل غير مباشر.
فهل يعي هؤلاء أنهم سيكونون شركاء في الدم؟، وهل يُدرك الرأي العام العربي والإسلامي أن صمته أمام هذه التطورات قد يفسَّر من العدو كضوء أخضر للمضي في التنفيذ؟
بين ناقة صالح… ودم الإمام، من منظور أخلاقي ـ ديني، لا يمكن لأحد أن يتجاهل عمق السؤال الذي يُطرح هنا، هل نحن نكرر تجربة قوم صالح الذين فرّطوا بناقة أُعطيت لهم آية؟، ألا يكفينا مشهد الحسين (عليه السلام) وهو يُذبح وأمته تتفرّج؟، هل نسمح هذه المرة بذبح “ابن الحسين” ونحن نملك الكلمة، ونملك السلاح، ونملك الصوت؟، الإمام الصادق (عليه السلام) حذّرنا من المشاركة في ظلم المؤمن بكلمة، فكيف بالسكوت عن مشروع اغتيال أكبر مرجع وقائد للمقاومة في العالم الإسلامي؟، ألا يدفعنا كل ذلك إلى مراجعة مواقفنا قبل أن نُسأل يوم القيامة، “بأي ذنبٍ سُفك دمه؟ وبأي عذر سكتُّم؟”
إنذار قبل الطامة، ليست هذه مجرد مقالة سياسية عابرة، بل إنذار مبكر قبل “الضربة الكبرى”. العدو يجهّز للرأس، لا للأطراف. والنزاع دخل مرحلة اللاعودة، والحديث عن الاغتيال لم يعد همسًا، بل تصريحًا علنيًا أمام الكاميرات. المطلوب من الشعوب، من الإعلام، من المقاومة، ومن المؤسسات الدينية والسياسية، أن تُعلن موقفًا استباقيًا رادعًا، أيّ مساس بالقائد هو إعلان حرب شاملة، لا تبقي من الكيان حجرًا على حجر.
هذا الصوت، وحده، قد يكون كافيًا لردع المجنون. أما إن سكتنا… فدم ابن رسول الله سيكون في أعناقنا جميعًا.